الاثنين، 20 مايو 2024

كسر الشفرة: كيف يتقن المخ مهارات القراءة؟



 نتعلم الكلام عن طريق التعرّض للغة؛ نسمع ونلاحظ ونقلد. نحن لسنا بحاجة إلى أحد كي يعلمنا الكلام، لكن فيما يتعلق بالقراءة، فالأمر يختلف.

لكن بمجرد أن نتعلم القراءة، لا تعود أمخاخنا كما كانت. عندها يستطيع المخ أن يتعامل مع الكلمات المكتوبة بشكل آلي دون أن نحتاج إلى بذل مجهود واع. لدى العقل البشري القدرة على التعامل مع مجموعة واسعة ومعقدة من العمليات اللازمة لإتمام عملية القراءة، وهذه العمليات العقلية التي تكون عملية القراءة لا يمكن فصلها أو تعليمها بشكل منفصل، لكنها تنمو وتتكامل معا.

هناك أربعة مناطق في المخ مرتبطة بعملية القراءة: 

1. القشرة البصرية: التي تساعدنا على إدراك الحروف والكلمات.

2. القشرة الصوتية: التي تربط الأصوات بالحروف.

3. القشرة الدلالية: التي تخزن معاني الكلمات.

4. القشرة النحوية: التي تساعدنا على فهم قواعد وبنية الجمل.

تعمل كل الأجزاء بتناغم معا من خلال تشكيل مسارات عصبية فعالة وسريعة أثناء القراءة.

يتكون المخ من نصفين: نصف أيمن ونصف أيسر. كل نصف يتكون من أربعة فصوص رئيسية: الجبهي والجداري والصدغي والخلفي. معالجة الكلام واللغة والقراءة هي مسؤولية النصف الأيسر من المخ. لكل فص من الأربعة دور فريد في قراءة الكلمات، وهم يتفاعلون معا لربط الكلمات المقروءة بأصوات الحروف ومعناها:


  • في المنطقة الجدارية الصدغية: يتم تقسيم الكلمة المقروءة وتحليلها إلى أصواتها.
  • في المنطقة الصدغية الخلفية: يخزن المخ شكل الكلمة مع معناها. 
  • في المنطقة الأمامية وبالتحديد منطقة بروكا: تتم معالجة أصوات الكلام أثناء الاستماع والتحدث. 

عندما نقرأ، تقوم أدمغتنا بتحويل أشكال الحروف والرموز الموجودة على الصفحة إلى أصوات اللغة المنطوقة. لكن كيف يفعل الدماغ هذا؟

البروفيسور ستانيسلاس ديهين من كلية فرنسا، درس كيفية حدوث القراءة في الدماغ، وتوصل إلى الآتي: 

لتعلم القراءة، على المخ أولا أن يتعلم الكلام، وهذه عملية سهلة بالنسبة للأطفال، فعلى مدى ملايين السنين، تطور المخ البشري ليستطيع تعلم الكلام بسهولة. لا يحتاج أحد إلى الذهاب إلى المدرسة ليتعلم الكلام. كل ما نحتاجه هو التعرّض للغة التي سنتعلمها. مع ذلك، لم يتطور المخ البشري ليتعلم القراءة بنفس الطريقة، فالقراءة هي اختراع حديث نسبيا بالنسبة للعقل البشري. هناك جزء من المخ يستخدم للتعرف على الوجوه. عندما نعلّم طفلنا القراءة فنحن نعلّمه كيف يستخدم هذا الجزء في التعرف على الحروف، ثم يتم نقل هذه المعلومات عن الحروف إلى الجزء المسؤول عن الكلام المنطوق، والذي يعرف كيف يمكن نطق هذه الكلمات المكتوبة. إذا كان القارئ مبتدئا ويتعلم القراءة، فالتحدي الذي يواجهه هو كيفية تحويل الحروف إلى أصوات. تستهلك هذه العملية تركيزا كبيرا من القارئ المبتدئ، حتى أنه لا يستطيع التركيز في معاني الكلمات التي يقرأها، ويظل هكذا إلى أن يتقن هذه العملية.

عندما يصبح الشخص قارئا خبيرا، فإنه يصبح أسرع وأسرع في عملية تحويل الحروف إلى أصوات، لدرجة أنه يمكن أن يحول مجموعة كبيرة من الحروف إلى الأصوات المقابلة لها في نفس الوقت، كما أنه لا يعود يشعر بكونه يقوم بعملية التحويل هذه، فكأنها تتم بشكل أوتوماتيكي لا واع.

هذه الاكتشافات يتم استخدامها لتعزيز عملية تعلم القراءة لدى الأطفال، ففي بعض الأماكن يطلب من الطفل أن يتعرف على كلمات كاملة أثناء تعلم القراءة، وهذا في الحقيقة لا يساعده على التعلم، والأفضل أن يتم التركيز على مسألة ربط كل حرف بالصوت الخاص به، فهذا هو ما يحقق الربط بين رؤية الحروف المكتوبة، وتحويلها إلى كلام منطوق. 

في حالة تعلم الرياضيات، توصل البروفيسور ستانيسلاس ديهين أيضا إلى المنطقة المسؤولة عنها في المخ، وهي مسؤولة أيضا عن التعامل مع الأرقام والفراغ والزمن. يرى ديهين أنه لا يجب تعليم الرياضيات بشكل تجريدي، وإنما يجب ربطها مع الحدس الأساسي الذي يتمتع به الأطفال (بل وتتمتع به العديد من الرئيسيات أيضا كالقرود) نحو العمليات الرياضية.

تعطينا دراسة المخ وما يدور بداخله، الكثير من المفاتيح عن مسألة التعلم وكيف يجب أن تتم. في المقالات التالية نعرف المزيد عن تبعات هذه الاكتشافات وأثرها على نظرتنا عن تعلّم القراءة.

بقلم: د. ميشيل حنّا

المصادر: 

https://tinyurl.com/4dtx5r4r

https://tinyurl.com/8kaps9f2

https://en.wikipedia.org/wiki/Brain


هناك تعليق واحد: