التعليم بالتلعيب Gamified education
في السنوات الأخيرة، بدأنا نشهد تحوّلًا كبيرًا في مجال التعليم، حيث اتجهت العديد من الجهات التعليمية والمؤسسات إلى تبنِّي استراتيجيات تعليمية جديدة تتجاوز الطرق التقليدية، تعتمد فيها بشكل أساسي على الأساليب التحفيزية والتفاعلية التي تسعى من خلالها إلى تحسين تجربة التعلم وزيادة تفاعل الطلاب.
ومع التطور التكنولوجي الهائل أصبحت التقنيات الحديثة تلعب دورًا رئيساً في هذا المجال، حيث توفر العديد من المنصات وشركات تكنولوجيا المعلومات منتجات تعليمية متنوعة ترتكز في بُنيتها على هذه الأساليب التي أثبتت فعاليتها في تحفيز المتعلمين وتعزيز مشاركتهم، مثل: أسلوب التعليم بالتلعيب (Gamification) والتعلم القائم على الألعاب (Game-Based Learning).
هذا الاتجاه المتزايد يعكس رغبة عميقة في تقديم تعليم أكثر شمولية وملاءمة لاحتياجات الجيل الحالي، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية أفضل وإعداد الأفراد لمتطلبات المستقبل بشكل جيد وأكثر فعالية. وفي هذا الصدد، سنتعرف في مقالنا على أحد أميز الأساليب التي اعتمدت عليها الجهات التعليمية ووفرتها الشركات كمنتج.
ما هو التعليم بالتلعيب Gamified education؟
قد يتبادر للأذهان بأن مصطلح التعليم بالتلعيب يحمل المفهوم ذاته لمصطلح التعلم من خلال اللعب دون التنبه للمفارقة بينهما. إذ يقصد بالتعليم بالتلعيب ذاك النمط الذي يستخدم في منهجيته العناصر والتقنيات التي تقوم عليها الألعاب، كالنقاط، والأوسمة، والمستويات، والتحديات، والمكافآت، وإدخالها في البيئات التعليمية لجعلها ممتعة ذات طابع تشويقي تحفيزي يتفاعل معها المتعلم كأنها لعبة لكن دون أن تكون هناك لعبة فعلية تلعب. تهدف هذه الطريقة إلى إخراج الدروس من نمطيتها المملة ودمجها بالعناصر التي تجعلها جذابة ومرغوبة دون إجراء أي تغيُّر على محتواها التعليمي. مثل: لوحة المتصدرين لعرض التقدم بين الطلاب وخلق التنافسية بينهم، ومنح نقاط عند إتمام واجبات معينة، وإعطاء وسام (ملك القراءة) لأفضل طالب في القراءة خلال الأسبوع.
في المقابل، يعتمد التعلم باللعب (Game-Based Learning) في منهجيته على إدخال الألعاب في العملية التعليمية واستخدام ألعاب فعلية كجزء من التعلم. تهدف إلى إكساب الطالب مهارات ومفاهيم محددة من خلال اللعبة نفسها، مثل: ألعاب تعليم المفردات اللغوية، وألعاب تعليم العمليات الحسابية في الرياضيات. وغيرها من الألعاب التي تكون هي الوسيلة التي يتعلم من خلالها الطالب.
ولفهم الفرق بين التعلم بالتلعيب والتعلم باللعب، نستعرض هذه الأمثلة:
- يقوم المعلم خلال العملية التعليمية باستخدام نظام النقاط والأوسمة، كلما حل الطالب معادلة بشكل صحيح، يحصل على نقاط تُضاف إلى رصيده. بعد جمع عدد معين من النقاط، يمكن للطالب الحصول على وسام يميز مهارته في حل المعادلات. يمكن عرض الوسام عند اسم الطالب في لوحة المتصدرين ليشاهده الجميع في الصف، مما يزيد من الدافع والمنافسة بين الطلاب.
- يقدم المعلم لعبة فيديو تعليمية تتعلق بحل المعادلات الرياضية. في اللعبة، يعمل الطلاب على حل معادلات رياضية لتجاوز العقبات والتقدم في مستويات اللعبة. تتطلب منهم استخدام مهارات التفكير النقدي والمنطقي لحل المشكلات، مما يكسبهم مهارة حل المعادلات والتقدم في اللعبة.
نلاحظ في المثال الأول، اتباع المعلم أسلوب التعلم بالتلعيب بهدف إضافة قدر من المتعة والتحفيز خلال العملية التعليمية، وجذب اهتمام المتعلمين لمواصلة التعلم. وفي المثال الثاني، اتبع المعلم أسلوب التعلم باللعب، حيث استخدم لعبة فعلية كوسيلة لتعليم الطلاب مهارة محددة من خلال تجربة اللعب نفسها.
ما أهمية التعليم بالتلعيب والفوائد المكتسبة منه؟
هل تساءلت يومًا لماذا ينجذب المتعلمون للألعاب أكثر من واجباتهم التعليمية؟
مما لا شك فيه، بأن الألعاب مبنية على عناصر تخلق المتعة والتحدي والشعور بالإنجاز والرضا، مقارنة بالمهام الدراسية التقليدية التي قد تكون أقل تفاعلاً وتنوعاً يشعر فيها الطالب بالملل. وهذا بدوره يجعل تبني أسلوب التعلم بالتلعيب في العملية التعليمية ذا أهمية كبيرة، إضافة إلى الفوائد العديدة التي يمكن اكتسابها منه:
1. زيادة التحفيز والتفاعل
يعمل استخدام النقاط، والأوسمة، والمستويات، على خلق جو من التحدي والمنافسة، حيث يسعى الطلاب إلى تحقيق الأهداف والجوائز، مما يزيد من رغبتهم في المشاركة والتعلم.
2. تعزيز التعلم النشط
يشجع التعليم بالتلعيب الطلاب على المشاركة الفعالة في العملية التعليمية من خلال الأنشطة التفاعلية التي تتطلب منهم التفكير وحل المشكلات.
3. التفاعل مع المحتوى
يعزز هذا النهج من قدرة الطلاب على التفاعل مع المواد الدراسية بشكل أعمق وأكثر ارتباطًا.
4. تحسين النتائج التعليمية
تساعد الأساليب التلعيبية في تعزيز استيعاب المفاهيم من خلال جعل التعلم ممتعًا وذا صلة بحياة الطلاب. كما تتطلب غالبًا تكرار المهام، مما يساعد الطلاب على تحسين مهاراتهم وترسيخ المعلومات في ذاكرتهم.
5. توفير تغذية راجعة فورية
يحصل الطلاب على تقييمات فورية من خلال نقاط وأوسمة، مما يساعدهم على معرفة مستوى تقدمهم وفهم نقاط القوة والضعف لديهم.
6. التكيف مع الأداء
يمكن للمعلمين تعديل الأنشطة التعليمية بناءً على أداء الطلاب الفوري، مما يجعل العملية التعليمية أكثر ملاءمة لاحتياجات الطلاب.
7. تشجيع الاستقلالية وتحمل المسؤولية
يعزز التعليم بالتلعيب من استقلالية الطلاب، حيث يتخذون قراراتهم بأنفسهم لتحقيق الأهداف التعليمية. كما يتحملون مسؤولية تقدمهم التعليمي، مما يعزز من شعورهم بالمسؤولية تجاه تعلمهم.
8. إدماج التكنولوجيا بفعالية
يساعد التعليم بالتلعيب على دمج التكنولوجيا في التعليم بشكل فعال، مما يجعل التعلم متماشياً مع العصر الرقمي الذي نعيش فيه.
9. اكتساب المهارات التقنية
يكتسب الطلاب مهارات تقنية مهمة من خلال استخدامهم للأدوات التكنولوجية المختلفة.
10. المتعة في التعلم
يحول التعليم بالتلعيب البيئات التعليمية إلى أماكن ممتعة وجذابة، مما يقلل من الشعور بالملل والإحباط بين الطلاب.
11. الاهتمام المستمر
يبقي هذا النهج الطلاب مهتمين ومندمجين طوال فترة التعلم، مما يعزز من قدرتهم على الاستمرار والمثابرة، وجذب اهتمامهم لمواصلة التعلم.
يمثل التعليم بالتلعيب نهجًا شاملًا وفعالًا يجمع بين المتعة والتحفيز والتعلم النشط، ويعزز من رغبة الطلاب في المشاركة والتعلم المستمر، وبفضل هذا الأسلوب، يمكن تحسين العملية التعليمية وتعزيز دورها بشكل أفضل، ما يجعله من الأدوات الهامة في تطوير التعليم.
بقلم: خلود المعاويد