الأحد، 26 أكتوبر 2014

لديك طفل "عنيد" ؟ أنت محظوظ..


محظوظ؟! نعم فتربية طفل قوي الإرادة تشكّل تحديّاً في سنينه الأولى، لكن إن كنت حسّاساً اتجاه قوة إرادته و قاومت رغبتك الداخلية بكسرها ستراه يكبر ليصبح قائداً ، لديه قدرة مميزة للوقوف أمام ضغوطات رفاقه يعرف ما يريد و لديه الدافع الداخلي و المثابرة للسعي و تحقيق أهدافه.

من هو الطفل قوي الإرادة؟
بعضنا يشكو من كون طفلهم " عنيد" و "صعب" لكن هو ليس إلّا إنساناً كاملاً، إرادته قويّة بشكل مميّز ، يقف على أرض ثابته و لا يسهل أن تحمله الرياح باتجاه هبوبها.. أي هو طفل يسعى لتعلّم و فعل الأشياء بنفسه و بطريقته و ليس فقط تََقَبُّل ما يقبله الجميع من حوله.. لذا يحاول دائماً ان يتّخذ قراراته بنفسه، دائم الاختبار لحدوده و يسمح لنفسه أحياناً بوضع رغباته فوق كل شيء و قبل أي شيء. فهو لا يريد أن يكون طفلاً صعباً لكنّه -و بسبب تصميمه و إرادته - يشعر بالإنكسار عندما ينصاع لطلبات و أوامر غيره. 

كيف تتعامل انت مع الأمر؟
هذه الصفات تجعل الطفل و الأهل دائمي الصراع و لكن أي صراع يحتاج لطرفين، فلا تقبل أنت أن تكون الطرف الأخر. إن جعلت احترامك لطفلك و لشخصيته و احترامه لك أسلوب تعاملك، ان وفرت له الخيارات ليشعر بقدرته على الاختيار لنفسه ، ستجده يتعاون و هو سعيد . كثير منا يعتقد بأهمية انصياع الأطفال و طاعتهم الدائمة، لكني أدعوك لإعادة التفكير في الأمر. بالطبع كلنا نريد أطفالاً مسؤولين و متعاونين معنا يستطيعون اختيار الصواب دوماً حتى عندما يكون الأصعب لكن انت تريده أن يرغب هو في فعل ذلك لا أن تجبره في كل مرة.

الأخلاق العالية هي اختيار الصواب دائماً مهما طُلِب منك أن تفعل، لكن الطاعة هي فعل ما يُطلَب منك أن تفعل سواءً كان صائباً أم لا. نحن بالتأكيد نريد أن يُنفِّذ أطفالنا ما نطلبه منهم، لكن ليس لأنّهم قليلو الحيلة و عليهم فعل ما يطلبه منهم أي شخص يكبرهم عمراً أو في موقع سلطة عليهم، لأن هذا الشخص قد يكون لاحقاً طفلاً أكبر منهم يتنمّر عليهم في المدرسة أو مديراً يسيء استغلالهم. بل سينفّذ طفلك طلباتك لأنّه يثق بك لأنّه على يقين بأنّه بالرغم من أنّك لا تستطيع أن توافق على جميع رغباته دائماً إلّا أنّك تتفهم هذه الرغبات و الحاجات. فأنت بالتأكيد تريد أن يكون قادراً على التمييز بمن يثق و متى يسمح لغيره بالتأثير عليه.. هذه القدرة يكتسبها طفلك فقط عندما تعلّمه أن يفكّر و يقرّر بنفسه و ليس أن يطيع ببساطة أوامر من يفوقه قدرة و سلطة.. لذا كيف يمكنك أن تسهّل حياتك من دون أن تحتاج لكسر إرادة طفلك؟

١- استخدم قوانين و أنظمة في المنزل بدلاً من الاستمرار في طلب كل شيء منه مثلاً،  "قانون البيت أن تذهب للحمّام قبل الخروج" ، "وقت النوم يطفئ الضوء في الساعة الثامنة، إن أسرعنا قليلاً قد نتمكّن من قراءة قصّتين بدلاً من واحدة "، أو في بيتنا ننهي الفروض و الواجبات قبل مشاهدة التلفاز" . فلا تعود أنت الشخص المزعج الذي لا يتوقّف عن أمرهم.

٢- تذكّر أن الطفل قوي الإرادة يتعلّم عندما يجرّب بنفسه، قد تحذّره عدّة مرات من أنّ المكواة ساخنة لكنّك تجده يستمر في محاولة الاقتراب منها و لمسها، لذا إن كان الأمر يشكّل خطراً عليه ، استمر في تذكيره بالحدود بهدوء مهما حاول اختبارها و كسرها و أبعده عن الموقف، لكن في أي حالة أخرى دعه ليجرّب و يرى النتيجة بنفسه. 

٣- امنح طفلك قوي الإرادة الحاجة للتحكم في حياته، دعه يكون المسؤول عن أكبر جزء ممّا يفعل خلال اليوم،  فالطفل الذي يشعر بالإستقلالية لا يشعر بالحاجة لمعارضتك في كل طلب و يصبح مسوؤلاً أكثر من غيره. لذا لا تستمر بالألحاح عليه لينظف أسنانه في الصباح مثلاً بل اسأله "ماذا بقي عليك ان تفعل قبل أن تغادر البيت؟" ان لم يصل للجواب بنفسه ، ذكّره "في كل صباح نشرب الحليب، ننظف أسناننا و نستخدم الحمّام ، نرتدي ملابسنا و نمشّط شعرنا، أرى أنك قد ارتديت ملابسك ، هذا ممتاز ، ماذا الآن؟ "

٤- أعط طفلك قوي الإرادة الفرصة للاختيار دائماً، إن طلبت منه فعل كل شيء بصيغة الأمر سيعارضك، لكن إن عرضت عليه خيارين مثلاً سيختار و يشعر بالسيطرة على قراراته، تأكّد من أن تكون كل الخيارات مقبولةً بالنسبة لك. إن أردت الذهاب للسوق مثلاً و لا يستطيع ابنك الاستمرار باللعب في البيت وحده يمكنك أن تخيّره بين "هل تريد أن ننطلق الآن أم بعد ١٠ دقائق؟ حسناً بعد ١٠ دقائق من دون نقاش اتفقنا، و بما انه من الممكن ان يكون صعباً عليك إنهاء اللعب في عشرة دقائق كيف يمكنني مساعدتك؟ " 

٥- امنح طفلك السلطة على جسده، إن رفض طفلك ارتداء معطفه قبل أن يخرج من البيت لأنه لا يشعر بالبرد، أو اكتفى بنصف كميّة غدائه لأنّه يشعر بالشبع،  ثق بشعوره، فجسمه يخبره بهذا و لا يتخيّل أنّه سيبرد عندما يخرج فهو الآن دافئ، "أرى أنك لا تريد ارتداء الجاكيت اليوم، أعتقد أن الجو بارد و أنا بالتأكيد سأرتدي جاكيتي . أنت بالتأكيد مسؤول عن جسمك و لا مشكله طالما انك ستحافظ عليه صحي و بأمان، أنا أقترح أن تأخذه معك في حال أن شعرت بالبرد خارجاً". طفلك لن يصاب بالتهاب رئوي قبل أن يخبرك بشعوره بالبرد و الحاجة لمعطفه إلا إذا قررت أنت أن تجعل من الموضوع معركة كأن تقول له شيئا مثل "أرأيت، قلت لك أن الجو بارد و ستحتاج للمعطف" و دفعته للمكابرة و التصميم أكثر. 

٦- استمع لطفلك، من المنطقي أن نتوقّع نحن البالغون أنّنا دائماً نعرف الأفضل لأطفالنا، لكن طفلك يصمّم على ما يريد لأن هناك وجهة نظر خلف الموضوع يقتنع بها تماماً و يريد حمايتها، لذا فقط إن توقّفت و استمعت إليه بانتباه و هدوء، و حاولت أن تعكس له ما فهمته من كلامه ستبدأ فهم سبب معاكسته لك، "أنا أسمعك، أنت لا ترغب بأن تستحم الآن، هل يمكنك إخباري المزيد؟" قد لا يبدو جوابه و سببه منطقياً بالنسبة لك لكنك تعرف السبب الآن. بالإضافة إلى ذلك، حاول دائماً أن تنظر للأمر من وجهة نظره، فإنّ غضب صغيرك لأنّك وعدته بغسل بيجامته المفضّله و نسيت الأمر، قد يبدو الأمر بالنسبة لك أنّه يعاند و لا يريد أن يرتدي أية بيجامة أخرى لكن بالنسبة له، هناك سبب جيّد لغضبه، فأنت وعدت و أخلفت بينما هو عليه أن يفي بوعوده لك دائماً، لذا يمكنك أن تعتذر و تخبره أنّك نسيت و ستحاول الوفاء بوعودك دائماً، تذهب و إياه لغسل بيجامته مثلاً أو حتى تعلمه كيف يغسل ثيابه بنفسه. 

٧- استغل الموقف لتعليمه و ليس لعقابه، مثلنا جميعاً ، الأطفال لا يتعلّمون و هم في حالة المواجهة أو الفرار، و كل طفل لديه الرغبة بإسعاد أهله، لكن كلّما عاقبته و خضت حروباً معه، كلّما قلّلت من هذه الرغبة. عندما يبدي صغيرك غضباً و انزعاجاً اصبر و ساعده على التعبير عمّا يشعر به فهذا سيبدّد تلك المشاعر، ثم و عندما يهدأ و يعود قادراً على سماعك ذكّره بحدودك و قوانين بيتك.

٨- امنح طفلك الاحترام و التعاطف، قد يعاندك طفلك لأنّه يشعر بحاجته لاحترامك له و إثبات ذاته، و بالتأكيد تفهّمك له و تعاطفك مع رغباته حتّى لو لم تحقّقها سيساعدك في التعامل معه، فمثلاً إن صمّم ابنك على أمر أنت تراه غير مناسب تماماً، لست مضطراً للموافقة لتنهي الأمر لكنك تستطيع ان توفّر له التعاطف و التفهّم . فمثلاً إن أصرّ صغيرك على ارتداء زي سوبرمان للمدرسة ، أنت لا تستطيع السماح له بذلك، لكن يمكنك إظهار تفهّمك و اقتراح حل بديل "انت تحب هذا الزي و تتمنى لو استطعت ارتدائه دائماً أليس كذلك، لكن للمدرسة زي خاص و لا يمكننا تغييره، لذا لا تستطيع ارتداءه للمدرسة، لكن ما رأيك لو أخذناه معنا لترتديه في طريق العودة للبيت؟"

تذكّر دائماً أن القوّة تدفع للمقاومة في كل الأعمار، لذا عندما تجد نفسك على وشك الدخول في صراع قوة مع صغيرك ، توقّف و تنفّس، و تذكّر أن فوزك في الموقف هو خسارتك لأهم ما يربطك به و هو علاقتك، ساعده دائماً لأن يحفظ ماء وجهه و لا يشعر بالانكسار و الانهزام لتثبت فقط أنّك كنت على حق حتى يبقى على ثقة أنّ هدفك هو حقاً مصلحته.

مع الحب 
لانا أبو حميدان

مواضيع إخترناها لك:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق