إن عدم إستجابة أطفالنا لنا و لِما نطلُبه منهم من أوَّل مرّه هو من أحد أهم أسباب التوتر بين الأهل و الأطفال في كثيرٍ من الأُسَر، كما أنه سبب أساسي يدفعُنا لفقد هدوؤنا و تحكمنا بعأصابنا حول أطفالنا..
نفس الأساليب التي نستخدمها عادةً لدفعهم لفِعل ما نطلبُ منهم ( تكرار الطلب مِئة مرّة، إنتقادهم المستمر و القاء المحاضرات عليهم) هي بحد ذاتها سببٌ لعدم استجابتهم..عقابُهم و حِرمانهم أو التهديد بذلك سيدفعهم للتنفيذ بدافع الخوف لكنه سيشحن أجواء البيت بالتوتر، و سيَوَلُّد كُرهاً لديهم اتجاهنا يقتُل دافِعَهم للتعاون على المدى الطويل..
إن قوّة علاقتك بطفلك لها الدور الأهم في زيادة فُرَص تعاونه معك، فعادةً ما نرغب بمُساعدة غيرنا عندما يكون شعورنا جيداً اتجاههُم و اتجاه أنفُسنا، لذا إن كانت علاقتك بطِفلك تمُر بمرحلةٍ من صراعات القوة ، و لم تُعبِّر له عن حُبِّك، إهتمامك و حنانك منذ فترة، فكِّر أولاً كيف تُصلح هذه العلاقة، أمّا إن كانت علاقتك بطفلك قوية ففّكر بما تطلُبه منه و بالأسباب المُحتملة لعدم استجابته، فعادةً جداولنا و مواعيدُنا لا تعني شيئاً لأطفالنا و كذلك غرفة نظيفة أو أسنان جيدة و غيرها ، فهُم يَرون الحياة مليئة بأمور جديدة لاستكشافها و من غير المنطقي لهم إضاعة الوقت في أمورٍ أخرى. لذا إن لم تستطيع التفكير في سبب جيد لتُخبَر طفلك لما عليه القيامُ بأمرٍ ما، ربما يكون أمراً تُفضِّله أنت شخصياً و ليس عليك إجبار طِفلك القيام به على حساب علاقتك به.
من المُهِم أيضاً أن نُفرِّق بين التعاون و الطاعة، فليتَعلم طفلك التعاون بإرادته ، تحتاج لأن تُعطيه حرية الرفض أيضاً في بعض الأمور، فالأمور المتعلّقة بسلامته و أمانه مثلاً ليست قابلة للنقاش. أمّا إجبارُه على إطاعة أي أمرٍ تطلبه منه لأنك أنت تُريد ذلك فهذا سُيشعره بأنك تسلِبه إرادته فتضعف بذلك علاقتك به.. لذا أفضل ما يُمكنك فِعله هو أن تُعيد نظرك لما تطلُبه من طفلك، هل تُصِّر أن يُنفِذ طفلُك ما تُريد أنت و بطريقتك أنت عندما لا يكون هناك حاجة لذلك؟ رُبما يُمكنك الاتفاق معه على هدف و ترك طريقة التنفيذ له، أو إعطائه خيارين مناسبين لك ليختار بينهما.
هناك أحيانٌ أيضاً عندما نحتاج من أطفالنا القيام بأمرٍ ما، لكننا نصيغ طلبنا بشكلٍ خاطئ.. فعندما نستعِدُ للخروج نطلبُ من طفلنا بصيغة السؤال "هل يُمكنك الذهاب و ارتداء ملابسك الآن؟" بالرغم من أنه لا يُمكنه الاجابه ب لا، إذن إذا كان طلَبُك لا يحتمل رفض طِفلك، لا تطلُبه بصيغة سؤال.
عندما تطلُب من طفلك القيام بأمرٍ ما تأكد من التالي:
١- أن تستخدم نبرة صوتٍ حازمة و جادة و في نفس الوقت لطيفة و مُحترمة.
٢- تكلم مع طفلك من مسافة قريبة بعد أن تتأكد من شد إنتباهه، فالصراخ بالأوامر من الغُرَف الأُخرى لا يُجدي أبداً.
٣- إحذر الاستهزاء به و السخريه منه مهما كان طلبك. ركِّز على ما تُريد فقط.. مثلاً إن أردت منه ترك التلفاز و أداء واجباته ، قُل له " هيا إنتهى الآن وقت التلفاز و حان وقت الدراسة"، مهما كنت منزعجاً من قضاءه الوقت أمام التلفاز امنع نفسك من قول أمور مثل "أُنظر لمستواك في المدرسة " أو غيرها من الأمور المُحبطة.
٤- إستمع لطفلك جيداًعند رفضه، و أعِد عليه ما فهمته ، فإن كنت مُخطئاً سيُصلِِّح لك ذلك. و إن كنت صائباً فأنت قد فهمت وجهة نظره و هذا سيساعدك على أن تُظهِر تعاطُفك مع رفضه و استخدام ما فهمته لتصل لحلٍ مقبولٍ لكليكما.
٥- لا تخشى تغيير رأيك، فهذا ليس ضعفاً بل على العكس فهو مرونة سيتعلَّمها منك أطفالك، و الأهم من ذلك أنك تُعطي أطفالك فُرصة للثِقة في قُدراتهم على التفاوض .
اليكُم بعض الأمثلة العمليّة:
الموقف
استخدم طفلك ذو العامين عُلبة الوانه لِرسم رسمةً على الجدار، أرشدته لطريقة تنظيفه و طلبت منه البدء لكنه تجاهلك و استمّر في اللعب.
خلف التصرُّف:
- بالنسبة لطفلك اللعب ممتع أكثر من التنظيف.
- طفلك لم يسمعك أساساً لأن دماغه مشغولٌ بأمور أهم.
- طفلك سمعك لكنه لم يفهم أو يُدرك جديّة طلبك.
ماذا تفعل:
تذكر أن تتجه لطفلك و تنزل لمستواه على الأرض، و عندما تجذب انتباهه، أعِد صياغة طلبك بطريقة جدية لكن لطيفة، ليس على هيئة سؤال و دون إظهار أي غضب. قد تقول شيئاً مثل " آه أرى الالوان على الحائط، لكنها فقط للرسم على الورق، اليك هذه الفوطة و أمسحها من فضلك" و أشِر لطفلك على الحائط.
إن لم يستجِب طفلك و يبدأ ، خذ الفوطة أنت و ابدأ بمسح الحائط و قُل له " هكذا، هيا امسح أنت الآن" بالطبع طفلك في هذا العُمر سيحتاج للمساعدة منك كأن تتبادل معه الأدوار و البقاء بجانبه لكي يُنهي عمله.
الموقِف
تُحاولين وضع طِفلك الرضيع لينام لكنه لا يستطيعُ ذلك، فأُخته ذات ال ٥ سنوات و التي تُصمّم على الجلوس عندكم، لا تتوقف عن الكلام و اصدار الأصوات المُزعجة..طلبت منها البقاء هادئة عدة مرات حتى انتهيت بالصراخ، لكن و بعد دقائق تعود للإزعاج من جديد..
خلف التصرّف:
الشعور بحاجة ماسة لك، و للفت انتباهك، فعندما يفقد الطفل الشعور بالأمان و الطمأنينة لحاجته لأهله يبدأ بجذب انتباههم بطرقٍ سلبية لأنه ببساطة لا زال يتعلّم الطريقة الصحيحة للتعبير عن حاجاته.
ماذا تفعل:
من الواضح هنا أن تكرار الطلب لن يُجدي ، فهي لا تستجيب لأن هناك حاجة خلف تصرفها، لذا إبدأي و فكّري كيف يُمكنك الانتباه لحاجتها هذه.
يُمكنك إظهار تفهمك لحاجتها لمساعدتها على الانتظار " حبيبتي ، أرى أنك تحتاجينني الآن، و أخوك تعِب جداً و يحتاج لينام، أحتاج لِبضع دقائق ليغفو و بعدها سأكون لك، هل تريدين التلوين بجانبي أو اللعب في غرفتك بينما تنتظرين؟"
أو أعطيها دقيقتين من وقتك فطفلك الصغير يُمكنه الانتظار أيضاً، قولي لطفلك الصغير أمامها " حبيبي أعرف كم أنت تعِب و بحاجة للنوم، سأضعُك لتنام في دقائق، إنتظرني.." ثم إسألي طفلتك " أرى أنّك بحاجة لاهتمامي الآن هل تحتاجين لأن أضُمّك؟ حالما يغفو أخاك يُمكِننا أن نلعب أو نقرأ قصة، ماذا تُفضلين؟ ".
تأكّد دائماً من:
1- قوّة علاقتك بطفلك.
2- منطقيّة ما تطلبه منه نسبةً لعمره و قُدراته.
3- أن تتابع مع طفلك لإنجاز ما طلبته منه.
و تذكَّر أن الأمر أصعب من أن تصرخ و تُعاقِب و يحتاج لوقتٍ و مجهود لكنه بالتأكيد الطريق الأفضل لتربية أبناء مميّزين، قادرين على مواجهة تحديات الحياة المقبلة.
مع الحب
لانا أبو حميدان
1- قوّة علاقتك بطفلك.
2- منطقيّة ما تطلبه منه نسبةً لعمره و قُدراته.
3- أن تتابع مع طفلك لإنجاز ما طلبته منه.
و تذكَّر أن الأمر أصعب من أن تصرخ و تُعاقِب و يحتاج لوقتٍ و مجهود لكنه بالتأكيد الطريق الأفضل لتربية أبناء مميّزين، قادرين على مواجهة تحديات الحياة المقبلة.
مع الحب
لانا أبو حميدان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق