يتفق الباحثون أن المرحلة الرئيسية لتطوّر القدرات الأساسيّة للتعلّم و التفاعُل عند الأطفال هي من الولادة حتى الست سنوات ، من المؤسف أنّ كثيراً من أطفالنا يقضون هذه السنوات الأولى إمّا أمام التلفاز أو في دور الحضانة ثم المدارس للتركيز على الجانب الأكاديمي مثل تعلّم القراءة و الكتابة..في البيت ألعابٌ مُكلِفة و مُتكَّلَفة و جدولٌ مكتظ بالنشاطات لتعليمهم و تدريبهم حتى لم يَعُد هناك وقتٌ للعب الُحر و الاستكشاف أو التخيُّل و الابداع.
اللعِب لأطفالنا ليس مجرد لعب ، فهو الطريقة التي يتعلم بها الطفل عن كل ما حوله.. و يتفق أخصائيو التربية و تطوّر الأطفال بأن أفضل أنواع اللعب هو اللعب (الخيالي) الذي يُثري مخيّلة الطفل و يدفعه لعيش و استكشاف ما هو أبعد من ما يراه أو يُمسِكه بيده..
إن عددا كبيراً من الألعاب-بالتأكيد ليس جميعها- التي تُباع لأطفالنا لها طريقة محددة أو اثنتان لاستعمالها ، فيحاول الطفل مرّات حتى يكتشف هذه الطريقة فقط و ليس أبعد من ذلك و بهذا نحن نُعِد له مسبقاً طريقة لعبه و تفكيره!
ثم تأتي الأجهزة الالكترونية و ألعاب الفيديو التي تحرم الطفل من عيش المشاعر و إدراكها و التحكّم بردّات فعله. لأنّه يعتاد على ردات فعل تلقائية اتجاه هذه الألعاب على عكس ما يحصل عندما يلعب مع أهله أو غيره من الأطفال .
تُثبت البُحوث و الدراسات أن قُدرات التعلّم و التطوّر العقلي لطفلك تعتمد بشكل رئيسي على تطوير قدرة التحكم و تعديل المشاعر لديه أو ما يُعرَف ب "executive function" و هي قُدرة دماغ الطفل على التركيز و التذكُّر والتخطيط للتحكُم في تصرفاته و مشاعره و تعديلها. و هذه مهارات يحتاجها الطفل ليس فقط ليتعلم في صِغَرِه بل ليكون قادراً على اتخاذ قرارت سليمة في حياته في المستقبل.
هذه القُدرة لا تولد مع أطفالنا لكن يُولد معهم قابلية لتطويرها، فكلّما كانت علاقة الطفل بمن حوله من البالغين إيجابية و كانت بيئته و نشاطاته مُحفزَّه لهذا الجزء من الدماغ كلّما تطوّرت قُدراته بشكل أفضل و أصبحت فُرصه في الابداع أكبر، هناك حالات عندما يتعرّض الطفل للإهمال أو الاساءة الجسدية أو النفسيَّة أو يُحرم من النشاطات المُثرية لمخيّلته، فتتغيّر وصلات دماغه وتنحدر قدراته العقليه و قابليته للتعلم.. فليس هناك طفل غبي أو ذكي لكن هناك من كانت فُرصته جيدة في سنواته الأولى و هناك من حُرم منها..
كيف تُهيِّئ أنت بيئة مُحفّزة لطفلك في الست سنوات الأولى في البيت و كيف تضمن ذلك في المدرسة؟
١- اللعب الحُر
و هو أفضل أنواع اللعب للأطفال الصغار، فهو لعِبٌ غير مُخطّط، يتّبع فيه الطفل اهتمامه بالأشياء و اكتشافها،كالجري و القفز ، اللعب في الحديقة ، التَخَيُّل و تمثيل شخصيات و أدوار مُختلفة أو لعب الطفل بألعابه المُفضله كالسيارات، القطارات، الليغو أو أدوات المطبخ و غيرها.
من المهم جدّاً أن نوفّر وقتاً يومياً للّعب الحُر لأطفالنا و أن نوازن بين أن نكون جُزءاً من هذا اللعب و تركهم للّعب وحدهم أيضاً.
من المهم جدّاً أن نوفّر وقتاً يومياً للّعب الحُر لأطفالنا و أن نوازن بين أن نكون جُزءاً من هذا اللعب و تركهم للّعب وحدهم أيضاً.
فمثلاً لعِب دور مُعين أو تمثيل قصةٍ يتطلَّب من الطفل مجهوداً عقلياً كبيراً لتذكّر دوره و أدوار الشخصيات الأخرى و الاستمرار في تمثيلها ( قُدرات التذكُّر)، و في نفس الوقت عدم الخروج عن الشخصية ( التحكّم في النفس) ، و جعل تلك الشخصيّة التي يلعبها تتصرف تِبعاً لتغيُرات الموقف ( المرونة في اتخاذ القرارات العقليّة) ، قراءة مشاعر الشخصيات الأخرى و التعبير عن مشاعره ( الذكاء العاطفي) ، فهذا تمرينٌ عقلي ممتاز لأي طفل، لذا عندما يتحوّل طفلك لقطارٍ أو ديناصور فهو يتعلّم.
يعتمد هذا اللعُب أيضاً على الاستكشاف لذا حاول دائماً خلق فُرصٍ لذلك، كأن تُعطي طفلك مجموعة من الأواني و الملاعق الخشبية ليطرق عليها و يجرّب الأصوات المختلفة أو دُرجاً خاصاً له ليستكشف الأغراض بداخله، اصطحبه في نُزهة للبحر، المزرعة و غيرها ليرى كُل جديد دائماً.
٢- اللعب مُسبق التخطيط
هذا النوع من اللعب يعتمد علينا نحن الأهل والمُعلّمين في تخطيطه و إعداده ، له وقتٌ مُحدد و مكان، أدوات و عادةً هدف أو نتيجة ، يُمكِننا تحضيره في البيت ببساطة لأطفالنا فعقل الطفل يحتاج لتحفيزٍ دائم، كما أنّه يُغني عن شراء كثيرٍ من الألعاب ، و وسيلة ممتازة للتّعليم المُبكِّر للأطفال و تواصلك مع طفلك.
في هذا النوع من اللعب، عادةً ما أسعى لإعداد أنشطة لأطفالي ليس لها نهاية مُحدّدة (Open ended play)، لأترُك لهم المجال لتخيٌل نهايات مُختلفة، أحياناً تكون النشاطات حسيَّة كاللعب بالُرز ، المعكرونة، الماء و الرمل، و أحياناً أخرى تجارب علميّة بطابعِ ممتع. كذلك نشاطاتٌ تَهدِف لتعليمهم الأحرف و الأرقام و مُساعدتهم في القراءة و الكتابة، أحياناً أخرى نتناول موضوعاً ذو طابع مُعيّن كالبحر، الصحراء أو الفضاء و نُنفذ أنشطة ذات صلة، سنتحدّث أكثر عن هذا النوع من النشاطات في المقالات القادمة .
٣- اختيار الحضانة و المدرسة
من المُهم ادراك أن التعلُّم في السنوات الأولى من عمر الطفل بالتلقين والطُٰرُق التقليدية المُتَبَعة في المدارس، ليس هو أفضل ما يُمكن تقديمُه لأطفالنا، حيث تفرِض أنظِمة التعليم في بُلداننا ارسال الأطفال للمدرسة بعمر ٣-٤ سنوات لبدء الدراسة النظامية، الامتحانات و العلامات، لذا عند اختيار حضانة أو مدرسة علينا السؤال عن الوقت المُتاح للّعب الحُر يومياً و مدى تطبيق التعلُّم باللعب و التجربة في الثلاث سنوات الأولى.
أحياناً يغيب عنّا أن أفضل ما نوفّره لأطفالنا هو الأبسط و الأقل كُلفة، و أن التحصيل الأكاديمي الجيّد في المدرسة هو نتيجة لطفولة غنيّة بالتجارب الحسيّة و العمليّة.
مع الحب
لانا أبوحميدان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق