الخميس، 20 يونيو 2024

استراتيجيات التعليم بالتلعيب: تحفيز الطلاب بطرق مبتكرة

ضمن سلسلة المقالات التي نقدمها لفهم التعليب (Gamification)، تعرفنا في مقالنا السابق على مفهوم التعليم بالتلعيب، وكيف يعتمد هذا النهج على استخراج العناصر والتقنيات التي تقوم عليها الألعاب وتطبيقها في الحياة الواقعية، لتحويل المهام الروتينية إلى أنشطة مثيرة وملهمة. بهدف تحسين التجربة وزيادة التفاعل والمشاركة. لكن، يبقى السؤال، لماذا تم اختيار الألعاب كنموذج لهذه الاستراتيجية دون غيرها؟

تعتبر الألعاب من أولى الصناعات التي ركزت على العنصر الإنساني أكثر من العنصر الوظيفي، فهي تسعى لإرضاء الإنسان وتعزيز مشاعره بدلًا من التركيز فقط على إنجاز المهام بسرعة. هذا يختلف عن النموذج التعليمي التقليدي، حيث يُتوقع من الطالب استقبال المعلومات وأداء الواجبات واجتياز الاختبارات دون مراعاة لمشاعره ورغباته. وبالتالي، نجد أن الألعاب غالبًا ما تكون ممتعة لأنها تركز على العنصر البشري وتهتم بتحسين مشاعر الإنسان ودوافعه وتحفيز مشاركته.

الإنسان بطبيعته يمتلك دوافع داخلية تشجعه على القيام ببعض الأمور دون غيرها، وهذا هو الأساس الذي تعتمد عليه الألعاب للحفاظ على استمتاعه وانخراطه لفترات طويلة.

ما الدوافع الداخلية المحفزة للسلوك البشري؟

لعل الدوافع الثمانية التي حددها يوكاي تشو (خبير التلعيب الشهير) في نظريته المعروفة باسم (Octalysis Framework)، هي نموذج شامل لتحليل وتحفيز السلوك البشري من خلال استخدام مبادئ التلعيب (Gamification). وضع يوكاي تشو، هذه النظرية لمساعدة المصممين والمطورين على إنشاء تجارب تفاعلية محفزة تعتمد على فهم عميق لدوافع الإنسان. تتألف النظرية من ثمانية دوافع رئيسية يمكن استخدامها لتحفيز الأفراد في مختلف المجالات مثل التعليم، الأعمال، والصحة. سنستعرض كل دافع من دوافع "Octalysis Framework" بالتفصيل:


1- المهمة والمعنى (Epic Meaning & Calling) 

 يتمحور هذا الدافع حول تحفيز الأفراد عبر منحهم شعورًا بأنهم جزء من قضية أو هدف ذي قيمة أكبر من المهام اليومية الروتينية. عندما يشعر الشخص بأن أفعاله لها تأثير كبير وتسهم في تحقيق هدف سامٍ أو تغيير إيجابي أكبر من نفسه، فإن ذلك يزيد من دافعيته للعمل والتفاني. هذا الدافع يعتمد على الفكرة الأساسية بأن البشر يبحثون عن مغزى في حياتهم ويرغبون في ترك أثر إيجابي. عندما يتمكن الفرد من رؤية التأثير الإيجابي لجهوده على الآخرين أو على المجتمع ككل، يشعر بأن أفعاله لها قيمة وأنه يساهم في تحقيق هدف أعظم. 

على سبيل المثال، يمكن للمعلمين تعزيز هذا الدافع من خلال ربط المواضيع الدراسية بمشاريع تهدف إلى إحداث تغيير إيجابي في المجتمع. كأن يقوم الطلاب بالمشاركة في مشروع بيئي يهدف إلى تنظيف وتحسين البيئة المحلية. عندما يدرك الطلاب أن ما يتعلمونه ويساهمون فيه يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًّا في العالم من حولهم، يزيد ذلك من تحفيزهم وانخراطهم في العملية التعليمية.

2-  الإنجاز (Development & Accomplishment)

الإنجاز هو الدافع الذي يحفز الأفراد من خلال تقديم تحديات يمكن التغلب عليها، مما يمنحهم شعورًا بالتقدم والإنجاز. يعتمد هذا الدافع على الرغبة الفطرية لدى البشر في النمو والتحسن والاعتراف بقدراتهم وجهودهم، مما يُعزّز ثقة الأفراد بأنفسهم ويشجعهم على مواجهة تحديات أكبر، ويحفزهم على الاستمرار والمضي قدمًا. في البيئة التعليمية، يمكن استخدام نظام النقاط أو الشارات لتحفيز الطلاب، حيث يكسبون نقاطًا عند إتمام المهام بنجاح أو يحصلون على شارات عند اجتياز اختبارات أو تقديم مشاريع بجودة عالية. هذا النوع من التقدير يعزز شعور الطلاب بالإنجاز ويشجعهم على بذل المزيد من الجهد لتحقيق أهداف أكبر.

3- التمكين من خلال الإبداع والتغذية الراجعة (Empowerment of Creativity & Feedback)

يهدف إلى تشجيع الأفراد على استخدام خيالهم وإبداعهم في مواجهة التحديات وحل المشكلات، وإعطائهم الحرية في تقديم أفكار جديدة والتعبير عن أنفسهم، مع تقديم تغذية راجعة مستمرة تساعد في تحفيزهم على التفكير خارج الصندوق. مما يمنحهم شعورًا بالمسؤولية والتأثير. كما يعمل تزويد الأفراد بردود فعل فورية وبناءة على تعزيز التعلّم والتقدّم ويساعدهم على تحسين أدائهم وتطوير مهاراتهم.

مثال: إطلاق تحديات مفتوحة للطلاب للعمل على مشاريع بحثية أو تصميم حلول لمشاكل محلية. بعد ذلك، يتم توفير تغذية راجعة فورية على أفكار الطلاب ومساعدتهم في تحسينها وتطويرها، مما يعزز إحساسهم بالتمكين ويشجعهم على استخدام إبداعهم في تحقيق النجاح.

4-  الملكية والحيازة (Ownership & Possession)

يعمل على تحفيز الأفراد من خلال إشعارهم بأنهم يمتلكون شيئًا ما. عندما يشعر الفرد بالملكية، فهو يريد بالفطرة أن يجعل ما يملكه أفضل وأن يمتلك المزيد. هذا بدوره يعزز الشعور بالمسؤولية والالتزام نحو ما يتملكه، مما يدفع الفرد للعمل بجد والسعي نحو تحقيق النجاح. يشبه هذا المفهوم تعيين موظف كرئيس مشروع، يصبح لديه ملكية ومسؤولية شخصية على نجاح تلك المهمة، مما يحفزه على الاهتمام بالتفاصيل والعمل بجدية لتحقيق الهدف.

5- التأثير الاجتماعي والارتباط (Social Influence & Relatedness) 

يشمل هذا الدافع جميع العوامل الاجتماعية التي تحفز الناس، مثل الإرشاد والقبول والاستجابات الاجتماعية والرفقة، وكذلك المنافسة وتبادل المعرفة والتجارب. عندما يكون لديك صديق يتقن مهارة معينة أو يمتلك شيئًا فريدًا، فإن ذلك قد يشجعك على الوصول إلى نفس المستوى. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن هذا الدافع الحاجة للتواصل مع الأشخاص أو الأماكن أو الأحداث التي يمكننا الارتباط بها. على سبيل المثال، إذا رأيت منتجًا يذكرك بطفولتك، فإن الشعور بالحنين قد يزيد من احتمالات شرائك له. التفاعل الاجتماعي يعزز بشكل كبير الانخراط والمشاركة، مما يدفع الأفراد نحو تحقيق أهدافهم بشكل مشترك ويساهم في بناء مجتمع قائم على التعاون والتضامن.

6- الندرة ونفاد الصبر (Scarcity & Impatience) 

دافع قوي يعتمد على فكرة أن الأشياء تصبح أكثر قيمة وجاذبية عندما تكون نادرة أو محدودة، أو عندما يكون الوصول إليها غير مضمون، مما يدفع الناس للتصرف بسرعة لضمان حصولهم على هذه الفرصة أو المورد النادر قبل أن يختفي. المثال الكلاسيكي على ذلك هو العروض الترويجية المحدودة الوقت أو الكميات، مثل الخصومات الفورية التي تنتهي خلال فترة قصيرة، أو المنتجات التي يتم إصدارها بكميات محدودة. هذا ما تقوم به بعض الشركات مثل "Apple" حيث تطلق منتجات بكميات محدودة أو بنسخ خاصة، مما يجعل المستهلكين يسارعون لشرائها خوفًا من نفاد الكمية.

7- عدم القدرة على التنبؤ والفضول (Unpredictability & Curiosity) 

دافع نفسي يعتمد على جذب انتباه الأفراد من خلال عنصر المفاجأة والغموض. هذا الدافع يشير إلى إضافة عناصر غير متوقعة أو غير مألوفة لتثير الفضول وتحفز الأفراد على الاستمرار في المشاركة أو التفاعل. الناس بطبيعتهم فضوليون، وعندما لا يستطيعون التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك، فإنهم يصبحون أكثر اهتمامًا ومندفعين لاكتشاف المزيد. مثل: الإعلانات التشويقية التي تستخدمها الشركات في حملاتها الإعلانية، حيث تُظهر أجزاء من المنتج أو تُلمح إلى شيء كبير قادم دون تفاصيل كاملة. هذا يثير فضول الجمهور ويجعلهم يتابعون لمعرفة المزيد.

8- الخسارة والتجنب (Loss & Avoidance)

قد يكون هذا الدافع معاكسًا لدافع الإنجاز، حيث يثير رغبة الأفراد في تجنب الخسارة أو العقوبات، بدلًا من السعي للحصول على مكاسب. هذا الدافع يستغل الخوف من فقدان شيء ذي قيمة أو الفشل في تحقيق هدف معين، مما يحفز الأفراد على التصرف لتفادي هذه النتائج السلبية. كقيام المعلم بخصم نقاط من طالب لم يكمل المهمة أو الواجب المطلوب منه.

تقدم هذه الدوافع رؤية شاملة لفهم الدوافع الداخلية للإنسان وكيفية تحفيز السلوك لديه من خلال عناصر التلعيب. باستخدام هذه الدوافع الثمانية، يمكن للمصممين والمعلمين والمطورين إنشاء تجارب تفاعلية محفزة تزيد من انخراط الأفراد وتحقق نتائج إيجابية في مختلف المجالات.

بقلم: خلود المعاويد

المصادر:

- https://yukaichou.com/gamification-examples/what-is-gamification/ 

- https://yukaichou.com/gamification-examples/octalysis-complete-gamification-framework/ 

- https://pressbooks.pub/motivationleap/chapter/motivational-effects-of-gaming-among-children-learners/


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق